تخطي إلى المحتوى

القهوة السعودية

عرف السعوديون وأهل الجزيرة العربية القهوة بأشكالٍ مختلفةٍ منذ زمنٍ قديم، وإن كان مصطلح "القهوة السعودية" يرتبط اليوم بطريقة تحضير القهوة السعودية الشقراء إلا أن ذات المصطلح يمكن إطلاقه على بالطبيعةِ على زرعة البن نفسها التي تخطو مملكتنا خطواتٍ مدروسة في طريقِ رعايتها ورفع كفاءتها.

في مقالنا اليوم نتحدث عن القهوة السعودية من مختلف الجوانب لنعرِّجَ أولًا على تاريخها وميزاتها وارتباطها الوثيق بالثقافة الشعبية لنصل إلى حاضرها الواعد

الإرث السعودي

في التراث السعودي ومن قبلهِ العربي في أرجاء وحدودِ المملكة، تظهر القهوة في كلِّ وقتٍ باعتبارها جزءً أصيلًا من مكوناتِ بيت السعودي، فلابد منها للضيافة ولابد منها بعد العشاء وتحضر في مختلف المناسبات
ليست مجرد مشروبٍ فريدِ المذاق، بل هي إلهامٌ للشعراء وعلامةٌ على إكرامِ الضيف وحسن استقباله، وترتبط بها عاداتٌ خاصة وأصيلة مثل شروطِ صب القهوةِ لأهل المجلس وكيفية الصب، بالإضافةِ للدلالاتِ التي ترتبط بها والتي من أبرزها دليل الفناجين التي يقبلها أو يطلبها الضيف والتي من النافعِ أن نشيرَ إليها بإيجاز

الفنجان الأول الذي يتم صبه من دلة القهوة يعرف باسم "الهيف" وهذا الفنجان يشربه المُضيف أمام الضيف وهي عادةٌ قديمةٌ تعد لفتةً لإظهارِ حسن النية وأن المضيفَ يرحب بضيفهِ ويطعمه من طعامه، وكانت إلزامية في بعض المناطق ولا غِنًى عنها لتكونَ تأكيدًا أن القهوة ليست مسمومة، لكنها بالأصلِ دليلٌ للضيفِ على أنه لم يشق على مضيفه

الفنجان الثاني يُدعى "فنجان الضيف" يتم صبه للضيفِ وإن كان الضيوف عددهم كبيرًا يبدأ المُضيفُ أو أحدُ أبنائه بتقديمِ الفنجانِ لكبيرِ الضيوفِ أولًا ومن ثم يمر على أهلِ المجلسِ من يمين كبيرهم، وليسَ من اللائق أن يرفضه الضيفُ إلا في حالِ العداوةِ أو في حالِ أنَّ له طلبًا عند مُضيفه يمنعه من شربِ فنجانه حتى يقول المُضيف "تم"

الفنجان الثالث هو "الكيف" وهو فنجانٌ يشربه الضيفُ تعبيرًا عن استحسانهِ لمُضيفهِ وضيافته وإذا طالتِ الجلسة لكن لا مانعَ من أن يرفضه، وارتبط صبه بجلساتِ الصلحِ التي تصل أحيانًا لمراحل معقدة فيتم صبه لتعديلِ مزاجِ الضيف ويعد قبول الضيف لفنجانِ الكيف تعبيرًا منه عن نيته للاستمرار في محاولة الإصلاح

الفنجان الرابع هو "السيف" له دلالةٌ خاصة ونوعية، لأن قبول الضيفِ له يعد تعبيرًا منه أنه يقف -بإذن الله- مع مضيفه في السراء والضراء ومستعدًا للدفاعِ عنه بحد السيف، لذلك فإن هذا الفنجانَ لا يتم صبه إلا بعد تأكد المضيفِ من أن ضيفه سيقبله أو بطلبٍ من الضيف نفسه لكي لا يحرج المضيف ضيفه.
وقد لا يكون هذا الفنجان هو رابع فنجانٍ يتم صبه في المجلسِ بالمعنى الحرفي ولكنه قد يكون الفنجان الأول في المجلس بعد فنجان الهيف لكن يُصرِّحُ الضيفُ وهو يشربه قائلًا "هذا السيف" أو يسأل المضيف إذا كان محتاجًا قبل صب الفنجان "نصب الضيف ولا السيف" ويجيب الضيف بما يراه

الفنجان الخامس "الفارس" وهذا الفنجان لا يرتبط بالمجالس والضيافةِ وإنما لابد أن يتم التدليل عليه بقول "من يشرب فنجان فلان بن فلان" ومن يقبل شربه يكون فارسًا ينوي الأخذ بثأرٍ أو رد حق، وعادةً يكونُ في جمعٍ من أبناءِ القبيلة الذين يطلبهم شيخ القبيلة ليحضروا ويصب القهوة بنفسه في فنجانٍ ويدل عليه وعلى الحق المراد رده، ويصبحُ لِزامًا على شاربه أن يكون "فارسًا" ليمضي في طريقِ رد هذا الحق.

ومع كل هذه الدلالاتِ النوعية لكلِّ فنجان، يظل السعوديون يتوارثون الأصولَ التي بدأها أجدادهم التي تجعلهم يعتنون اعتناءً فائقًا بدلةِ القهوة وفناجينها وتعريفِ أبنائهم بعاداتها وأصولها، كإمساكِ الدلةِ باليسارِ والفناجين باليمين ليقدموا القهوة لضيوفهم بيدهم اليمنى، وكذلك الامتناع عن ملء الفنجان حتى أقصاه وفهم إيماءات الضيوفِ بالفنجانِ مثل إيماءة هز الفنجانِ التي تعني للقائم بصب القهوة أن يأخذ الفنجان من الضيف أو أن لا يصب له قهوة، وإيماءة رفع الفنجان التي يقوم فيها الجالس بإبعادِ الفنجانِ عن جسمه قليلًا دون هزه فتعني للقائم بصب القهوةِ أنه يطلب منه صب القهوةِ بفنجانه، مع ضرورةِ أن يلتقط الفنجانِ من صاحبه ويصب القهوةَ بهِ ثم يرده له

هذه العادة الفريدة لها سر قديم وهو أن شيوخ القبائل وكبراءها اعتادوا تعيين شاب لا يسمع ولا يتكلم على وظيفةِ صب القهوة كي لا يتنصت لحديثهم وينقله، ولكي لا يضطر أحد الجالسين إلى قطعِ حديثِ آخر بطلبه لمزيدٍ من القهوة، لذلك استمرت حتى اليوم مع تغير عادةِ الموظف ليصبحَ لِزَامًا أن يصب المضيف أو أحد أبنائه القهوة، كما أنه من غير اللائق أن يصب المضيف القهوة بنفسه إذا كان لديه أبناء، وكذلك يفترض بالابن الأصغر أن يصب القهوة، وظلت عادات وإيماءات الفناجين موجودةً كواحدٍ من آدابِ المجلسِ الذي لا يقوم فيه الضيوف بمقاطعةِ حديث بعضهم لطلب القهوة

وفي السعودية الجميلةِ الفسيحة مترامية الأطراف يتميز كل إقليمٍ بطريقته الخاصة في إعداد القهوة السعودية، لنجد الكثيرَ من الإضافاتِ التي تمنح القهوةَ السعودية مذاقًا خاصة ومتنوعًا فيضاف إليها القرنفل "المسمار" في بعض الأقاليم، والزعفران والمستكة في أقاليم أخرى وإليهم تضاف القرفة والزنجبيل والشمرة في مناطقَ من الإقليم الجنوبي لكن يتفق جميعهم على الهيل الذي هو أهم ما يميز القهوة السعودية عن غيرها كونها تكون غنية جدا به لدرجةَ أن رائحته الفريدة تعتبر أهم رائحةٍ ترتبط برائحة القهوة السعودية

ومع القهوةِ التي يظهر من مكوناتها المتباينة باختلاف المناطق، يقدم السعوديون التمر السعودي الذي اعتادَ السعوديون أن يزرعوه خصيصًا لتقديمه للضيف، فتجد صاحبَ البيت لديه أربع أو خمسِ نخلاتٍ كل منهم يحصد منه نوعًا مختلفًا من التمر ليقدم للضيفِ أجودَ ما عنده، كما يعبرون عن حفاوتهم أحيانًا بإضافةِ الكثير من الزعفرانِ مثلًا الذي يعرف أنه باهض الثمن

ولسنواتٍ طويلة كان السعوديون يحصلون على بن قهوتهم الشقراء من مزارع البن السعودية ومن البن اليمني الفاخر، لكن في السنواتِ الأخيرة بدأ اتجاهٌ جديد بتوجيه القيادة السعودية الحكيمة لمزيدٍ من الاعتناء بمزارع البن السعودي وتحسين إنتاجها ليصبحَ جزءٌ منه قابلًا للاستعمالِ في إعداد القهوة المختصة

الأمل السعودي

من إقليمِ جازان الفريد من نوعه، تخطو السعودية خطواتٍ واعدة في طريقِ تحسين زراعة البن السعودي وتطوير المحاصيل لتصبحَ قادرةً على منافسة كبار الدول المصدرة للقهوة، وكذلك بدأ الاهتمام بزراعة البن في منطقتي الباحة وأبها اللتان تمتلكان ذات الصفاتِ الفريدة التي تميز إقليم جازان

ومع كثرة الأمطار في تلك المناطق وارتفاعها عن سطحِ البحر تجد القهوة مكانًا ملائمًا لها لتنبت وتنضج نضوجًا تامًا يجعلها أهلًا لتنضم إلى حباتِ البن القابلةِ للاستعمال في إعداد القهوةِ المختصة التي لكلِّ حبةٍ من حباتها سمات نوعية لابد أن تتوفر بها

واليوم حبات البن السعودي أصبحت أكثر تنوعًا وقابلةً للاستعمال في إعداد مشروبات السبريسو والقهوة السوداء وتتميز القهوة السعودية ببعض الميزات الفريدة التي منها:

القهوة السعودية قديمة

أحد أهم العناصرِ التي لابد منها عند البحث عن محصولِ قهوة ملائم لاستعماله في إعداد القهوة المختصة هو أن تكون مزرعة البن نفسها قديمة، لأن التربة التي يتم زراعة البن بها مراتٍ عديدة أكفأ من تلكَ التي يزرع البن بها لأول مرة، وجبل خولان بالسعودية يعد من أقدم مناطق زراعة البن العربي على مستوى العالم إذ تعد مزارع البن الخولاني قديمةً بقدم القهوةِ نفسها التي يعود اكتشافها للقرن الخامس عشر

مزارع البن القديمة تكون زرعاتها نفسها أكثر قدرة على التكيف مع التغيرات المناخية البسيطة كما أن مناعتها تكون أصلب في وجه الآفات، لذلك فإن طول عمر مزارع البن السعودية يميزها ويجعل فرصها في الانتشارِ أفضل

القهوة السعودية متنوعة 
تمتاز محاصيل السعودية بالتنوع بحسب المناطق، وفي السعودية يتم زراعة البن في ثلاثة مناطق هي "جازان، عسير، الباحة" وعامًا بعد عام تتضاعف أعداد شتلات القهوة المزروعة التي بدأنا اليوم نحصد ثمار الاهتمام بها ليكون لدى المملكة القدرة على إنتاج محاصيل سعودية خالصة من بينها "خولان وكليجا" ونستعمله كذلك في مزيجنا المميز "الحلم"

القهوة السعودية مدعومة

مع علاقة الحب الكبيرة بين القهوة والسعوديين، بدأ دعمها بمختلف الأشكالِ يتنامى وبالتحديد منذ عام 2016 وهو ما بدأت به شركة أرامكو بدعم المزارعين السعوديين لنصل أخيرًا إلى استثمارات الصندوق السعودي للاستثمارات العامة لإنشاء شركة مختصة تعمل على دعم كامل سلسلة القيمة الخاصة بمنتج القهوة المحلي بالشراكة مع القطاع الخاص

وتظهر اليومَ قيمة هذا الدعم والاهتمام بتطوير زراعة البن وإثرائها، حيث كشفت الدراسات عن ارتفاع سنوي لاستهلاك القهوة محليا بنحو 4% في الفترة بين عامي 2016-2021 مع توقعات لنمو يصل لنسبة 5% في المرحلة القادمة ليصل إلى 28700 طن بحلول 2026 بإذن الله مما يتيح فرصًا استثمارية جاذبة يتهيأ القطاع لجذبها

القهوة السعودية منتجٌ فريدٌ من نوعه، وخلال الأعوامِ القادمة سيكون توفره في السوق السعودي والأسواقِ العالمية من عوامل تنشيط سوق القهوة وإنعاشه، لذلك تعد هذه الفترة التي نعيشها واعدةً لكل مستثمرٍ يطمح في اختراق سوق القهوة العالمي من السعودية.

ويعد هذا الدعم النوعي قيمة مضافةً للقهوة السعودية إذ أن كبار الدول المصدرة للقهوة انتهجت ذات النهج ومن بينها كوستاريكا التي تضع قوانين صارمة لدعم المزارعين وتحفيزهم لزراعة أجود أنواع القهوة العربية. 

هل تفكر في افتتاح نشاط مرتبط بالقهوة؟ برنامج شركاء بيكولو يوفر لك الكثير من وسائل وسبل الدعم الفريدة للغاية.. املأ استمارة التسجيل اليوم

0 تعليقات

لا توجد تعليقات على هذا المقال. كن أول من يترك رسالة!

اترك تعليقًا

يرجى ملاحظة أنه: يجب الموافقة على التعليقات قبل نشرها
أعلى أعلى